لم يخفِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سخطه على النظام الدولي، وتعهد قبل توليه منصبه بالانسحاب من الاتفاقات متعددة الأطراف، وإعادة النظر في مشاركة بلاده بالأمم المتحدة.
ونجح ترامب في تحقيق واحد من أهم وعوده الانتخابية التي تدخل ضمن هذا الإطار، وهو الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرمته قوى عالمية مع إيران صيف عام 2015، ما تسبب في إثارة غضب حلفاء الولايات المتحدة عبر المحيط الأطلسي.
تصرفات ترامب التي شجعها مستشاره للأمن القومي جون بولتون، أعادت الولايات المتحدة إلى خط المواجهة مجددا مع طهران، وفي الوقت نفسه زادت من احتمال أن تفرض واشنطن عقوبات على الحلفاء الأوروبيين الذين يعملون لإنقاذ الاتفاق الذي يقيد برنامج إيران النووي.
من الناحية الاقتصادية، قام ترامب من جانب واحد بسحب واشنطن من إحدى أكبر اتفاقيات التجارة الحرة في العالم، وتعهد بإلغاء اتفاقية أخرى إذا لم يكن من الممكن إعادة التفاوض بشأنها.
وقلص ترامب حجم التمويل الأمريكي للأمم المتحدة بمبلغ 285 مليون دولار، بعد التصويت الذي أدان اعترافه من جانب واحد بالقدس عاصمة لإسرائيل، كما أعلن انسحاب بلاده من اثنتين من هيئات الأمم المتحدة الرئيسية.
وفيما يلي قائمة بالاتفاقات الدولية الرئيسية التي انسحب منها الرئيس الأمريكي بعد أن هدد بالخروج منها، والبلدان التي تأثرت بذلك، والهيئات الرئيسية للأمم المتحدة التي استهجنتها الولايات المتحدة.
** اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ:
في 23 يناير / كانون الثاني 2017، أعلن ترامب انسحاب بلاده من الاتفاقية، وهي عبارة عن اتفاقية تجارة حرة متعددة الأطراف، تهدف إلى زيادة تحرر اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وتعهدت الدول الأخرى الأطراف في تلك الاتفاقية (11 دولة) بإبرام أخرى جديدة دون الولايات المتحدة.
وتضررت عدة دول من تلك الخطوة هي: اليابان وماليزيا وفيتنام وسنغافورة وبروناي وأستراليا ونيوزيلندا وكندا والمكسيك وتشيلي وبيرو.
وبعد وقت قصير من انسحاب ترامب، انتقد السيناتور الجمهوري جون ماكين القرار، ووصفه بأنه "إشارة مقلقة لفك الارتباط الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في وقت لا نستطيع أن نتحمل فيه ذلك".
وقال ماكين إن "قرار ترامب بالانسحاب رسميا من الاتفاقية كان خطأ فادحا، وستكون له عواقب دائمة على اقتصاد الولايات المتحدة، وموقفنا الاستراتيجي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
** اتفاقية باريس بشأن المناخ:
كانت الولايات المتحدة قد وقعت تلك الاتفاقية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما لمكافحة تغير المناخ، ولم يكن يتسنى لواشنطن الانسحاب منها حتى نوفمبر / تشرين الثاني 2020 بموجب شروط الاتفاقية.
لكن ترامب انسحب منها بالفعل في يونيو / حزيران 2017، وبالتالي تضررت جميع بلدان العالم من تلك الخطوة بلا استثناء.
وانتقد أوباما قرار خلفه، قائلا إن "الدول التي لا تزال في إطار الاتفاقية ستجني الفوائد من الوظائف والصناعات التي تم إنشاؤها".
وأوضح في تصريحات سابقة: "حتى في غياب القيادة الأمريكية، وحتى عندما تنضم هذه الإدارة إلى حفنة صغيرة من الدول التي ترفض المستقبل، أنا واثق أن ولاياتنا ومدننا وشركاتنا ستعزز جهودها في هذا المجال وتؤدي المزيد حتى تقود الطريق وتساهم في حماية الأجيال القادمة التي تعيش على هذا الكوكب".
** اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)
اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك دخلت حيز التنفيذ عام 1994، وقد هدد ترامب بإلغائها إذا لم يكن من الممكن إعادة التفاوض بشأنها، إلا أن المحادثات ما زالت مستمرة مع رفض كندا والمكسيك إبرام اتفاقات منفصلة مع واشنطن.
والبلدان المتأثرة بذلك هي كندا والمكسيك.
وبهذا الخصوص، قالت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند في تصريحات سابقة، إن "بلادها تؤمن بشدة باتفاقية "نافتا" باعتبارها اتفاقا ثلاثي الأطراف، وقد ظلت قائمة لقرابة ربع قرن".
وأضافت أن "الاتفاقية سمحت للدول الثلاث بدمج سلاسل التجارة والتوريد بشكل أفاد جميع الأطراف المعنية".
** الاتفاق النووي مع إيران
هو اتفاق أبرمته مجموعة ما يعرف بـ (5 + 1) وهي أمريكا والصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا، مع إيران عام 2015، وقد منح طهران مليارات الدولارات في شكل تخفيف للعقوبات مقابل نظام تفتيش مكثف لبرنامجها النووي، لكن ترامب أعلن انسحابه منه.
والبلدان المتضررة مباشرة من ذلك هي إيران وألمانيا وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتأثرت كذلك التجارة العالمية.
وفرضت إدارة ترامب عقوبات مجددا على إيران، فيما تعهد الاتحاد الأوروبي بحماية الأوروبيين الذين يتعاملون مع طهران.
وقالت الكتلة الأوروبية في معرض تعليقها على هذه الخطوة،: "إننا مصممون على حماية الشركات الاقتصادية الأوربية المنخرطة في أعمال مشروعة مع إيران، وفقا لقانون الاتحاد الأوروبي وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231".
** الانفراجة في العلاقات مع كوبا
هي جهود بدأت في عهد أوباما لاستعادة العلاقات بين خصمي الحرب الباردة، وشهدت العلاقات آنذاك انفراجة تاريخية بالفعل، إلا أن ترامب أعاد الكرّة مجددا وحدّ من السفر إلى تلك الدولة وقيد التجارة معها أيضا.
والبلدان المتأثرة بذلك هي الولايات المتحدة وكوبا.
وقوبلت تلك الخطوات الأمريكية بانتقاد من السيناتور الأمريكي باتريك ليهي، الذي قال إن هذا "ما يتوقعه المرء من حكومة شيطانية مصابة بجنون العظمة، وليست ديمقراطية مثلنا".
وقال السيناتور الديمقراطي في بيان إن "نفاق الأيديولوجيين في البيت الأبيض واضح، إنه أمر مذهل، فبدلا من تعزيز حقوق الإنسان في كوبا، فإن هذه التحركات الجديدة ستضر بمبادرات الأعمال الوليدة وبقية الشعب الكوبي بعدم تشجيع الأمريكيين على السفر إلى هناك".
** الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان الدولي
أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من المجلس التابع للأمم المتحدة ومقره جنيف في يونيو / حزيران الماضي، ويرجع ذلك جزئيا إلى انتقاد المجلس لإسرائيل.
وبعد خروج الولايات المتحدة، حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الولايات المتحدة على العودة إلى مجلس حقوق الإنسان مجددا.
وقال غوتيريش: "بالطبع نفضل أن تبقى الولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان، وأعتقد أن هذه الهيئة الحقوقية أداة رئيسية في الوقت الراهن من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم".
** انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو
أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من منظمة "اليونسكو" التابعة للأمم المتحدة في أكتوبر / تشرين الأول 2017، مستشهدة بانحياز مزعوم ضد إسرائيل.
وأعربت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا عن "أسفها العميق" إزاء تحرك واشنطن، قائلة إنه على الرغم من قرار حجب التمويل، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة واليونسكو ما تزال قوية.
وأوضحت بوكوفا: "في الوقت الذي يتطلب فيه تكثيف مكافحة التطرف العنيف استثمارا متجددا في التعليم وفي حوار بين الثقافات لمنع الكراهية، من المؤسف للغاية أن تنسحب واشنطن من وكالة الأمم المتحدة التي تقود هذه القضايا".
** تمويل الأونروا
قامت إدارة ترامب بخفض التمويل لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في يناير / كانون الثاني الماضي، ولم تقدم سوى 60 مليون دولار من المبلغ المخطط له وقدره 125 مليون دولار.
وكذلك يعمل كبار مسؤولي إدارة ترامب على تفكيك الوكالة تماما من خلال تشريعات تشق طريقها عبر الكونغرس.
وحذر مسؤول غربي رفيع المستوى مؤخرا في تصريح للأناضول، طالبا عدم الكشف عن هويته، من أن "هناك تشريعا في الكونغرس الأمريكي يهدف لإلغاء عمل تلك المنظمة، ونقل أنشطتها إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة".
وفي إشارة إلى حق العودة في فلسطين، قال الدبلوماسي إن "الأولوية أو الخيار المفضل بالنسبة إلى المفوضية هو أن يعود اللاجئون إلى ديارهم، الأمر الذي أفترض أن أعضاء الكونغرس الأمريكيين لا يريدونه.. العودة التي ترفضها إسرائيل وحلفاؤها في واشنطن على الفور".
وظهر مصطلح "حق العودة" عقب "النكبة" التي حلت بالفلسطينيين عام 1948، بعد أن أسفرت سلسلة مذابح ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق عشرات القرى والمدن الفلسطينية، إلى نزوح نحو 800 ألف فلسطيني.
ومنذ ذلك الوقت، يطالب اللاجئون الفلسطينيون البالغ عددهم حاليا نحو 5.9 ملايين شخص بالعودة إلى أراضيهم، رغم مرور 70 عاما على الحدث.
وتنص قرارات دولية أصدرتها الأمم المتحدة على حق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم، وهو الأمر الذي لم ينفذ حتى الآن.