حذّر علماء دين عراقيون، مسلمون (سنة وشيعة) ومسيحيون، من أن نقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس الفلسطينية المحتلة، كما يعتزم الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، سيدفع منطقة الشرق الأوسط "المضطربة أساسا" إلى مزيد من العنف.
العلماء دعوا، في تصريحات للأناضول، إلى ممارسة ضغوط عربية وإسلامية كبيرة للحيلولة دون إقدام ترامب - الذي يتولى السلطة يوم الجمعة الموافق 20 يناير/كانون ثان الجاري - على "منح القدس للإسرائيليين"، وهي خطوة، اعتبر أحدهم أنها ستكون "إعلان حرب"، حيث يطالب الفلسطينيون بمدينة القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقلة المنتظرة على حدود عام 1967.
ومنذ أن تبنى الكونجرس الأمريكي قرارا عام 1995 بنقل السفارة إلى القدس، دأب الرؤساء الأمريكيون، سواء كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين، على توقيع قرارات كل 6 شهور بتأجيل نقلها "حماية للمصالح الأمريكية"، وفق نصوص تلك القرارات.
وبحسب الناطق باسم دار الإفتاء العراقية، الشيخ عامر البياتي (سني)، فإن "الجامعة العربية مطالبة اليوم بتفعيل القرار الذي يدعو إلى المقاطعة الاقتصادية للدول التي تنقل سفارتها إلى القدس (..) على الجامعة العربية أن تتخذ قرارا حاسما وفوريا تجاه كل الدول التي تقدم على هذه الخطوة أو تساعد دولة أخرى عليها".
البياتي، وفي تصريح للأناضول، دعا دور الإفتاء في العالم العربي والإسلامي إلى "اتخاذ قرارات مماثلة"، واصفا الاقتراح الأمريكي بأنه "إقرار بمنح القدس للإسرائيليين، وإجراء تعسفي قد يمثل إعلان حرب على المسلمين".
- صراع جديد
محذرا من تداعيات النقل المحتمل للسفارة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط ككل، قال رئيس جماعة علماء العراق (غيرحكومية)، الشيخ خالد الملا (سني)، إن "هذا الأمر يثير غضب جميع المسلمين؛ لما للقدس من أهمية دينية لهم، ولحساسية القضية الفلسطينية بالنسبة إليهم".
الملا تابع، في تصريح للأناضول، أن "هذا الأمر يحرك مشاعر المسلمين، ويولد حالة من الغضب لديهم (..) واليوم المنطقة لا تحتاج إلى مزيد من الصراعات. هذه المشاريع المعادية للإسلام حققت - مع كل الأسف - الكثير من الدمار والخراب وتهجير وقتل الناس، وهدر الأموال والثروات".
وقبيل دخول الجمهوري ترامب (70 عاما) البيت الأبيض، قال الملا إن "ما نحتاجه في هذه الفترة هو خطاب عاقل واقعي يتفهم ويتناغم مع الحالة في الشرق الأوسط، وخصوصا لدى المسلمين الذين لن يقفوا مكتوفي الأيدي بينما المنطقة تدخل في صراع جديد".
- تشويه صورة المسلمين
بدوره، قال الشيخ أحمد عبد الكريم (سني)، إمام وخطيب جامع الخلفاء في العاصمة العراقية بغداد، إن "نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الشريف سيثير حفيظة المسلمين، وسيؤزم الوضع العام في الشرق الأوسط، وقد يقود إلى اعتداءات".
ومحذرا من تلك التداعيات، أضاف الشيخ عبد الكريم، في حديث للأناضول، أن "هناك من يسعى إلى تشويه صورة المسلمين من خلال دفعهم إلى العنف، بينما الإسلام لا يعرف العنف، فهو دين الرحمة والتسامح والعطف".
الشيخ عبد الكريم تابع تحذيره بالقول إن "المس بمعتقدات المسملين سيقابل بالرفض من الجميع، والقدس لها مكانة كبيرة في نفوس جميع المسلمين، وعلى الرئيس الأمريكي (المنتخب ترامب) التراجع عن مقترحه، حفاظا على استقرار المنطقة".
- إرباك المنطقة
مؤكدا على أهمية المدينة المحتلة، قال الشيخ علاء البصري (شيعي)، رئيس "التجمع السلمي لنهضة العراق" (غير حكومي)، إن "القدس من الأماكن المقدسة لدى عامة المسلمين، وعلى جميع الأطراف احترام معتقدات الطرف الآخر وعدم التجاوز بشأنها".
التجمع يضم رجال دين وشخصيات أكاديمية من مختلف القوميات والطوائف، ويهدف الى تعزيز السلم المجتمعي ونبذ التطرف والإرهاب الفكري والمسلح.
كما حذّر الشيخ البصري، في تصريح للأناضول، من أن "نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيربك الوضع في المنطقة المضطربة أساسا (..) على الغرب أن يدرك أن أي تحرك يستهدف معتقدات المسلمين سيقابل بتحرك جهادي فكري ومسلح ليس في صالح أحد".
وعلى أمل ثني ترامب عن نقل السفارة إلى القدس، دعا الشيح محمد الجبوري (سني)، إمام وخطيب جامع الأولياء، في حديث للأناضول، إلى "ضغط عربي وإسلامي كبير على الإدارة الأمريكية (..) المنطقة مليئة بالمشاكل، وهي تحتاج إلى الحلول من جميع الأطراف المؤثرة في المعادلة السياسية والأمنية، وليس من المنطق خلق أزمات جديدة وتعقيد الوضع، لابد من موقف عربي وإسلامي يحذر من خطورة تلك الخطوة المحتملة".
- عرقلة عملية السلام
ولم تقتصر ردود الأفعال الغاضبة في العراق على علماء الدين من المسلمين، إذ أبدى زعيم "الحركة الديمقراطية الآشورية"، النائب العراقي، "يونادم كنا"، عن مخاوفه من أن يؤدي نقل السفارة، في حال تطبيقه، إلى "عرقلة عملية السلام العربي – الإسرائيلي".
وموضحا، تابع "يونادم كنا"، في تصريح للأناضول، أن "المسيحيين في العراق ينتظرون دورا إيجابيا من الولايات المتحدة الأمريكية في إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبناء دولتهم".
قبل أن يتساءل النائب العراقي باستنكار: "هل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيساهم في إحلال السلام (؟!)".
ومنذ أبريل/نيسان 2014 والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية متوقفة؛ جراء رفض إسرائيل وقف الاستيطان، والقبول بحدود 1967 كأساس للتفاوض، والإفراج عن أسرى فلسطينيين قدماء في سجونها.
وأعلنت منظمة التحرير الفلسطينية، مراراً، رفضها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، محذرة من احتمال أن تقضي هذه الخطوة على أي أمل في التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
واحتلت العصابات الصهيونية المسلحة الشطر الغربي من القدس عام 1948، ثم احتلت إسرائيل الشطر الشرقي عام 1967، وفي عام 1980 أقر الكنيست (البرلمان) قانونا بضم هذا الشطر، ثم جرى إعلان "القدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل"، في خطوة لا تعترف بها الأمم المتحدة، وترفض كل ما يترتب عليها.