"دليل بوبكر" قال إن الرأي العام الفرنسي ومنذ الهجمات الإرهابية تغير حيال الإسلام متأثرا بخطاب "قاسٍ نوعا ما" لرجال السياسة وأعضاء الحكومة
باريس/ بلال موفتوغلو- هاجر مطيري/ الأناضول
قال عميد المسجد الكبير في العاصمة الفرنسية باريس، دليل بوبكر، أن مؤسسة الإسلام الجديدة التي أنشئت بمبادرة الحكومة الفرنسية، "ليست سوى وسيلة تستخدمها فرنسا لتضييق الخناق على الإسلام".
ووفق الحكومة الفرنسية، فإن مؤسسة الإسلام الجديدة التي يترأسها جان بيار شوفانمان، ترمي إلى دعم مشاريع ذات طابع ثقافي واجتماعي، علاوة على التركيز على قضايا رئيسية بينها إطلاع الأئمة المولودين في الخارج على الثقافة الفرنسية وغيره.
بوبكر؛ رئيس تجمّع مسلمي أكبر مؤسسة إسلامية في فرنسا، عاد، في مقابلة مع الأناضول، على إعلانه مؤخرا الإنسحاب من أعمال مؤسسة الإسلام، هذه الهيئة التي شدد على أنها لا تسمح إلا بـ "سيطرة الدولة على الإسلام"، عبر استخدامها من قبل الحكومة لتضييق الخناق على هذا الدين.
رئيس تجمع مسلمي أكبر مؤسسة إسلامية في فرنسا، تابع قائلا: "لطالما كانت العلاقات بين الإسلام والإدارة (الفرنسية) مبنية على الثقة.. كما أن الأخيرة قنّنت ظروف ممارسة المسلمين لشعائرهم، سواء فيما يتعلّق بالحلال أو بالحج أو حتى بتشييد المساجد".
لكنه استدرك بقوله إنه منذ الهجمات الإرهابية التي شهدتها فرنسا، أي من بداية 2015، تغيّر الرأي العام الفرنسي حيال الإسلام، متأثرا بخطاب "قاس نوعا ما" لرجال السياسة وأعضاء الحكومة.
وموضحا، تابع "بوبكر"، المنحدر من أصول جزائرية، أن "السياسيين الفرنسيين طلبوا، منذ ذلك الحين، من المسلمين النزول إلى الشوارع للتعبير عن تنديدهم بالضربات الإرهابية ونبذهم للتطرّف، وفرضوا، في الآن نفسه، رقابة على الإسلام".
"إخضاع" الإسلام
عميد المسجد الكبير في باريس اعتبر أن إنشاء "مؤسسة الإسلام الجديدة"، في ديسمبر/ كانون أول الماضي، بموجب مرسوم صدر آنذاك في الجريدة الرسمية، يندرج ضمن هذا "المنطق الجديد المنبثق عن رغبة في إخضاع الإسلام للإدارة (الفرنسية)".
تلك الرغبة، وبحسب "بوبكر"، تجلت بالأساس من خلال "تجميع أشخاص علمانيين (في مؤسسة الإسلام الجديدة) لتناول مسائل دينية متعلقة بالإسلام، دون إشراكنا نحن وغيرنا من تجمّعات المساجد التي تدرك جيدا ماهية الإسلام".
ومنتقدا، تابع بقوله: "شهدنا طريقة جديدة تستبطن رغبة في إدارة الإسلام من قبل الإدارة، وهذه الطريقة لا تنبع من المسلمين أنفسهم، وإنما يضعها أولئك العلمانيون والأشخاص الذين لا يعرفون إلا القليل عن الإسلام".
تلك المساعي لفت "بوبكر" إلى أنها دفعتهم إلى "إفساح المجال للإدارة الفرنسية لتخوض تجربتها في هذا المجال، وقررنا الاحتفاظ بموقفنا المحايد، فلقد فضلت البقاء في منطقة الحياد إلى أن نقف على ما سيفعلونه بالإسلام، أجيدا سيكون أم سيئا".
تركيبة المؤسسة
وبشكل خاص، انتقد عميد المسجد الكبير في باريس "القواعد الجديدة" بشأن تركيبة مجلس إدارة "مؤسسة الإسلام الجديدة"، والتي قلّصت عدد أعضاء تجمّع أو اتحاد مسلمي المسجد الكبير في باريس، وإقصاء بقية مساجد فرنسا لصالح أشخاص "علمانيين"، على حدّ تعبيره.
ومنددا بدعوات السياسيين إلى ملاءمة الإسلام والعلمانية دون توجيه الدعوة نفسها إلى أتباع الأديان الأخرة، قال "بوبكر": "يقولون إنه ينبغي على الإسلام التكيّف مع العلمانية، لكني أعتقد أنه لا علاقة للإسلام بالعلمانية؛ فالعلمانية هي الدولة، والإسلام دين".
هذا التركيز الخاص على الإسلام اعتبر عميد المسجد الكبير أنه يترجم رغبة الساسة في حصر المسلمين ضمن "منطق الاستيعاب"، أي ما وراء الإندماج، معربا عن خشيته من "تراجع حرية ممارسة الدين الإسلامي" في فرنسا.
ولأن الساسة الفرنسيين يرون اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي "غير كاف"، استشهد "بوبكر" بتجربته الشخصية: "أنا طبيب.. أمضيت حياتي كلها أدرس في الجامعات الفرنسية، وأعالج الفرنسيين، ولكن أعتقد أن ذلك لا يكفي، إذ يبدو أنه ينبغي أن أتماهى أكثر لأستجيب لمتطلبات الإدارة الفرنسية".
الانتخابات الرئاسية
فرنسا هي الدولة الأوروبية الأولى من حيث عدد المسلمين، حيث يعيش فيها نحو خمسة ملايين مسلم (من أصل 66 مليون نسمة)، أغلبهم من أصول تعود إلى دول شمال إفريقيا.
في معرض رده عن سؤال حول الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي تجرى عبر جولتين في 23 أبريل/ نيسان و7 مايو/ أيار المقبلين، واحتمال وصول اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، إلى الحكم، أعرب عميد المسجد الكبير في باريس عن قلقه حيال مصير المسلمين ممن يتهددهم، على حد تقديره، خطر حشرهم جميعا ضمن منظور "التطرف المتوارث عن الهجمات".
ولفت إلى أن "مارين لوبان أكّدت رفضها للتطرف والإسلام السياسي والوهابي، وبرأيي أنه سيكون من الصعب (عليها) التفريق بين الوهابية والسنّة أو الشيعة، أي بين الرؤى المختلفة للإسلام؛ لأنها ببساطة لا تعرف الإسلام".
وخلص "بوبكر" إلى أن "هذا الأمر يشكّل، تبعا لما تقدّم، تهديدا للمسلمين، بمعنى أنهم سيصنّفون ضمن الرؤية السلفية الراديكالية المتوارثة عن الهجمات الماضية، وسينظر إليهم على أنهم أشخاص خطرون".