في أي استحقاق انتخابي بمصر، لاسيما بعد ثورة يناير/ كانون ثانٍ 2011، يمثل السلفيون ثقلاً معتبراً في صناديق الاقتراع، بفضل كتلة انتخابية تقترب من سبعة ملايين ناخب، من أصل نحو 54 مليون ناخب، بحسب تقديرات بحثية غير رسمية.
الكتلة التصويتية للسلفيين، وفق مختصين، تحدثت معهم الأناضول، تمثل "قوة لا يستهان به في أية فعالية انتخابية"، مرجحين عودتهم، في انتخابات الرئاسة المقررة مبدئيا في مارس/آذار 2018، إلى قاعدتهم الشرعية في اتباع الحاكم، في ظل أوضاع غير مستقرة، لا سيما أمنياً واقتصادياً.
لكن مختصين آخرين يشككون في قدرة السلفيين أو غيرهم على حسم الانتخابات الرئاسة المقبلة، لصالح مرشح بعينه، في ضوء تبايناتهم، كما أن الانتخابات، ولاعتبارات عديدة، محسومة تقريبا للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، حال ترشحه لولاية ثانية.
وتولى السيسي الرئاسة يوم 8 يونيو/ حزيران 2014، إثر فوزه في أول انتخابات رئاسية، في أعقاب الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً، يوم 3 يوليو/ تموز 2013، حين كان السيسي وزيراً للدفاع.
** تناقضات سلفية
عقب الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك (1981-2011)، استثمرت الجماعات والحركات السلفية الزخم الثوري آنذاك في المعترك السياسي، فاحتلت مراكز متقدمة بالنسبة لعدد المقاعد في أول برلمان منتخب عقب الثورة، بكتلة تصويتية اقتربت من الربع.
لكن بعد أكثر من أربع سنوات من الإطاحة بمحمد مرسي، شهدت الساحة السلفية انقسامًا كبيرًا بين مؤيد ومعارض للإطاحة بمرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
وبينما اتخذ حزب النور، الذراع السياسية للدعوة السلفية (أبرز الجماعات السلفية بمصر)، موقفاً داعماً للنظام الحاكم، وأيد الإطاحة بمرسي، اتجهت حركات وأحزاب سلفية أخرى، بينها "الجبهة السلفية" وأحزاب "الأصالة" و"الوطن" وغيرها، نحو مناهضة النظام الحالي.
** 3 تيارات سلفية
بوضوح، تتمايز الحركات والجماعات السلفية في موقفها من الانتخابات الرئاسية المقبلة، بين ثلاثة تيارات بارزة.
أولا: تيار مؤيد للنظام
يمثل هذا التيار "الدعوة السلفية" وذراعها السياسي "حزب النور" (تم ترخيصه رسميًا في يونيو/ حزيران 2011).
وعقب الثورة، احتل ذلك التيار موقعًا بارزًا في المشهد السياسي، إذ حل حزب النور ثانيًا في انتخابات "مجلس الشعب" (البرلمان الذي تم حله)، بعدد مقاعد اقترب من الربع، أي 112 مقعدًا من أصل 508 نواب.
وأيدت الدعوة السلفية وحزب النور الإطاحة بمرسي (2012: 2013)، لكن سريعًا ما فقد الحزب قدرته على الحشد، في انتخابات "مجلس النواب" (البرلمان الحالي)، أواخر 2015، حيث حصد 12 مقعدًا فقط من أصل 596.
ويعد حزب النور من أبرز الداعمين للسيسي.
ثانيًا: تيار معارض
هذا التيار يقف على النقيض تمامًا من الدعوة السلفية وحزب النور، إذ يُشكل تحالفًا معارضًا مع جماعة الإخوان المسلمين ضد النظام الحالي، ويعتبر الإطاحة بـ"مرسي" انقلابًا عسكريًا، مقابل قطاع آخر من المصريين يعتبر ما حدث "ثورة شعبية انحاز إليها الجيش".
ويتشكل ذلك التيار من أحزاب "الأصالة" و"الإصلاح" و"الوطن" (مؤسسوه منشقون عن حزب النور)"، بجانب "الجبهة السلفية (رابطة تضم رموزًا إسلامية سلفية مستقلة).
ولم يحدد ذلك التيار موقفًا بعد بشأن المشاركة أو مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ثالثًا: تيار "مدخلي"
وهو تيار سلفي يوصف بأنه متشدد بشأن رفض الخروج على الحاكم والثورة عليه (ينسب إلى شيخ سعودي يدعى ربيع المدخلي).
ومن أدبياته الأساسية عدم جواز معارضة الحاكم مطلقًا، ويعتبر الدعوة السلفية والإخوان المسلمين "خوارج" (خارجين عن الدين الإسلامي).
ويمثل ذلك التيار قطاع معتبر داخل الحركة السلفية بمصر.
والتيار المدخلي، بحسب الباحث مصطفى خضري، رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (غير حكومي/ مقره القاهرة)، "ليس له دور سياسي، ويمكن حسابه ضمن الكتلة الانتخابية الخاملة، التي تبلغ ٤٥٪ من إجمالي الأصوات الانتخابية السلفية، بحسب دراسة سابقة للمركز".
** الحشد السلفي
ووفق خضري، في حديثه مع الأناضول، فإن "تقديرات الكتلة التصويتية النشطة، في أعلى قوة حشد للتيار السلفي بكل تفرعاته، تقترب من 7 ملايين ناخب، بحسب الدراسة ذاتها".
وبلغ عدد الناخبين في انتخابات الرئاسة الأخيرة، عام 2014، نحو 54 مليون ناخب.
ويعتبر خضري أن الكتلة التصويتية للسلفيين "تمثل رقمًا لا يستهان به في أي فعالية انتخابية إذا قرروا المشاركة بها".
في المقابل، يشكك عمرو هاشم ربيع، الخبير في النظم الانتخابية والبرلمانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (حكومي)، في حديث للأناضول، في قدرة السلفيين أو غيرهم على تغيير مسار الانتخابات المقبلة، لاعتبارات "تتعلق بكونها محسومة مسبقًا للرئيس الحالي السيسي".
** السلفيون.. من مع من ؟
وفق الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد بان، فإن "من مضاعفات إنهاء حكم الإخوان أن قطاعات واسعة من السلفيين كفرت بالعملية الديمقراطية وجدواها".
ويتوقع "بان"، في حديث للأناضول، أن "يكون خيار مقاطعة الاستحاق الانتخابي المقبل هو المفضل لقطاعات واسعة من جمهور السلفيين، بخلاف أعداد بسيطة من المحسوبين على التيار المدخلي، الأقرب إلى السلطة أيًا كان توجهها".
الباحث المصري يتوقع بالمقابل أن "يكون حزب النور والدعوة السلفية من الداعمين لترشح السيسي لولاية ثانية، إذا لم يجدا مرشحًا لديه حظوظ وافرة في منافسته".
ويتابع "بان": "أتصور أنه إذا أقدمت جماعة الإخوان على المشاركة في الاستحقاق الانتخابي بصورة تصويت احتجاجي ضد السيسي، فربما يدعم قطاع من السلفيين هذا التوجه".
متفقاً مع "بان" يرى خضري أن "كتلة كبيرة من التيار السلفي تتمترس مع التيار الإسلامي العام في مواجهة نظام السيسي، والاحتمال المرجح أن يرتبط قرار المشاركة بتوافق الصف الإسلامي العام.. وأرجح عدم مشاركة التيار الإسلامي حال ترشح السيسي".
وأعلنت جماعة الإخوان، مؤخراً، رفضها بشكل عام لانتخابات الرئاسة، وجددت تمسكها بـ"شرعية" مرسي، الذي تمت الإطاحة به بعد عام واحد من ولايته الرئاسية.
** مشاركة.. أم مقاطعة ؟
وحول موقف حزب النور، يرى خضري أن "الحزب ومؤيدوه في اصطفاف تام مع نظام السيسي، ولكنّ حجم الكتلة التصويتية للحزب لا تزيد حالياً عن ١٠٪ من الكتلة التصويتية للتيار السلفي، حسب تقديرات المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام".
فيما يرى القيادي بالجبهة السلفية (معارضة)، مصطفى البدري، أن "السلفيين عامة يعيشون سيولة حركية رافضة للتنظيم والعمل الجماعي، ومن ثم يصعب أن يكونوا رقمًا صعبًا في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المقبل".
البدري يوضح، في تصريحات للأناضول، أن "أغلب الدعاة السلفين المشاهير والمؤثرين على خيارات الجماهير لا يتكلمون في هذه الأمور سلبًا ولا إيجابًا، لكنهم في قرارة أنفسهم يقاطعون الانتخابات، إذ لا يرونها طريقة صحيحة للوصول إلى الحكم، فضلا عن عدم وجود مرشح يتبنى فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية".
وعن موقف "الجبهة السلفية" من رئاسيات 2018، يقول البدري: "نرى أهمية المشاركة السياسية، إلا أننا نعرف أنه لا سياسة أصلاً ولا مرشحين حقيقيين ولا اختيار شعبي حر في ظل النظام الحالي، فهي مجرد عبث ومسرحية هزلية".
فيما يقول صلاح عبد المعبود، عضو مجلس النواب عن حزب النور، إن "الحزب لم يتخذ قرارًا بعد بشأن دعم مرشح بعينه في الانتخابات"، مشدداً على مشاركة الحزب في الاستحقاق الانتخابي المقبل.
ويوضح عبد المعبود، في تصريحات للأناضول، أن الحزب "ينتظر موقفًا صريحًا ورسميًا من الرئيس السيسي بإعلان ترشحه ليحدد ما إذا كان سيدعمه أم لا".
ومن الشخصيات المحتمل إعلانها الترشح للرئاسة، بجانب السيسي: رئيس الأركان السابق الفريق المتقاعد، سامي عنان، ومصطفى حجازي، مستشار الرئيس السابق، وعبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي عام 2012، والمحسوب على الإسلاميين، إضافة إلى الفريق متقاعد، أحمد شفيق، وصيف مرسي في انتخابات 2012