أجمع محللون سياسيون فلسطينيون على أن مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، يهدف لتصفية قضية اللاجئين، كونها تمثل "أساس القضية الفلسطينية".
ورأى المحللون، أن مساعي "نتنياهو" للتخلّص من المنظمة الدولية "أونروا"، تأتي في إطار جهوده لتمرير أي مشروع سياسي يتجاوز قضية اللاجئين.
واستبعد المحللون، في حواراتٍ منفصلة مع وكالة "الأناضول"، استجابة الأمم المتحدة لمطلب "نتنياهو" بتفكيك وكالة "أونروا".
وأرجع المحللون تقليص الخدمات التي تقدّمها "أونروا" للفلسطينيين، نتيجة الأزمة المالية التي تُعاني منها، إلى الضغوطات التي تمارسها إسرائيل على الدول المانحة، لوقف دعمهم لها.
ويوم الأحد الماضي، طالب نتنياهو، بدمج "أونروا" بعد تفكيكها، في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وقال نتنياهو، في بيان أصدره مكتبه، ووصلت "الأناضول" نسخة عنه:" قلت للسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، خلال لقائي معها الأسبوع الماضي، بأنه آن الأوان للأمم المتحدة أن تنظر في استمرار عمل وكالة أونروا".
ويقول الدكتور مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بمدينة غزة، إن "نتنياهو" يسعى من خلال مطالبه، لتذويب قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإنهاء حقّهم في العودة.
وتابع، خلال حديثه مع "الأناضول":" في الوقت الراهن، تعتبر وكالة أونروا الجهة التي تُبقِي قضية اللاجئين الفلسطينيين حيّة في المحافل الدولية".
وبيّن أبو سعدة أن مطالبة "نتنياهو" بتفكيك "أونروا" تأتي ضمن سلسلة من الدعوات الإسرائيلية السابقة للتخلص من الـ"أونروا".
وأوضح أن "أونروا" تقدّم خدماتها لأكثر من 80% من اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، ولمئات آلاف اللاجئين في الضفة الغربية وسوريا ولبنان والأردن.
وأشار إلى أن أكثر من نصف الشعب الفلسطيني في الداخل (قطاع غزة والضفة الغربية)، وفي الخارج (سوريا، لبنان، الأردن)، يصنفّون على أنهم لاجئين.
وأوضح أبو سعدة أن وجود "أونروا" في قطاع غزة يعتبر "أمراً هاماً"، إذ أنها تقدّم المساعدات الإنسانية والخدمات التعليمية والصحية والنظافة للاجئين فيها.
وذكر أبو سعدة أن تقليص خدمات "أونروا" خاصة في غزة يفاقم من المعاناة الإنسانية التي يعيشها اللاجئون.
وقال:" إن إسرائيل ما زالت تحرّض ضد أونروا وعملياتها في قطاع غزة، وذلك واضح بعد اتهام جزء من العاملين فيها بأنهم تابعين لحركة (حماس)، فيما أعطى إعلان أونروا اكتشافها نفقاً تحت مدرسة تابعة لها بغزة، مبرراً لإسرائيل للتخلص منها".
وأشار أبو سعدة إلى أن ذلك يدفع إسرائيل باتجاه إقناع الدول الداعمة لـ"أونروا"، بإنهاء دعهما.
وأعلنت "الأنروا"، السبت الماضي، عثورها على نفق أرضي يمر أسفل مدرستين تابعتين لها في غزة، وهو ما نفته حركة حماس بشدة.
واستبعد أبو سعدة إمكانية استجابة الأمم المتحدة لمطالب "نتنياهو" بتفكيك وكالة "أونروا" التي تغيث اللاجئين الفلسطينيين.
وقال:" حل أونروا أمر خطير في حال تم، ويضع علامات استفهام حول مصير ومستقبل مئات آلاف اللاجئين في دول الشتات العربية، وقد يعيد طرح مسألة توطينهم لتوفير الخدمات الأساسية لهم في تلك المناطق، أو إما أنهم سيتركون لأزمة إنسانية قد تصيبهم".
ودافع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الإثنين الماضي، عن الدور الذي تضطلع به وكالة (أونروا) من أجل تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة.
وأعرب غوتيريش، خلال بيان تلاه نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام فرحان حق على الصحفيين، بمقر المنظمة الدولية في نيويورك، عن "القلق إزاء الانتقادات العلنية التي وجهت مؤخراً إلى الأونروا وسلامة عملياتها".
ودعا غوتيريش "جميع الدول الأعضاء إلى مواصلة دعمها للوكالة لكي تتمكن من أداء دورها الأساسي بنزاهة وكفاءة وتنفيذ ولايتها الإنسانية لخدمة اللاجئين الفلسطينيين إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لأوضاعهم".
وفي ذات السياق، أكد مصطفى الصواف، الكاتب والمحلل السياسي، أن مطالب "نتنياهو" تأتي بهدف "قتل الشاهد الوحيد على قضية اللاجئين".
وقال:" نتنياهو يريد لقضية اللاجئين أن تُنسى".
وتابع، خلال حديثه مع "الأناضول":" كل الجهود الإسرائيلية لإنهاء قضية اللاجئين بهذه الطريقة البشعة وبهذا النكران لحقّهم في العودة، ستفشل".
وذكر الصواف أن مطالبة "نتنياهو" بتفكيك "أونروا" هي حلقة واحدة ضمن سلسلة من الهجوم الإسرائيلي المتكرر على مؤسسات الأمم المتحدة، لرفع يدها عن الفلسطينيين ومساندتهم.
وقال:" إسرائيل تسعى دائما لمحاصرة الشعب الفلسطيني، وإبعاد كل جهة تمدّ لهم يد العون".
ويستبعد الصواف إمكانية تحقيق الأمم المتحدة لمطلب "نتنياهو" بتفكيك وكالة "أونروا"، مشيراً إلى إمكانية نجاح بعض الضغوطات عليها لتقليص خدماتها المقدّمة للفلسطينيين.
وبدوره، قال حسام الدجني، أستاذ "الإعلام والسياسة" في جامعة الأمة بمدينة غزة، إن مطالبة "نتنياهو" بتفكيك "أونروا" تحمل دلالات سياسية؛ أبرزها أن إسرائيل ترى بوجود المنظمة الدولية "أونروا" تأكيداً على قضية اللاجئين ومسألة العودة.
وأضاف، في حديثه مع "الأناضول":" وجود أونروا، واستمرارية تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، يعطي شرعية للقضية من ناحية القانون الدولي".
وبيّن الدجني أن وجود "أونروا" يساهم في "التأكيد على الوعي الجمعي الفلسطيني بضرورة العودة".
وأوضح أن مطالب نتنياهو بتفكيك الوكالة الدولية يأتي لمحاولته تمرير مشاريع سياسية تتجاوز مسألة اللاجئين الفلسطينيين.
واستكمل قائلاً:" طالما أونروا موجودة تبقى مسألة تصفية قضية اللاجئين أمراً صعباً".
وذكر أن "نتنياهو" عمل وما زال، من خلال دبلوماسيته، على الضغط على الدول الداعمة لـ"أونروا"، لوقف تمويلها.
وأشار الدجني إلى وجود تراجع واضح في الخدمات المقدّمة للاجئين، لافتاً إلى أن إجراءات التقليص المرتبطة بأزمة مالية تعاني منها أونروا، تأتي نتيجة عمل إسرائيلي سياسي ضاغط على الدول المانحة من أجل تخفيض مساعداتها لـ"أونروا".
واستبعد الدجني إمكانية تصفية وإنهاء عمل "أونروا"، مؤكداً على أن هذا الأمر لا يمكن أن يتم في ظل وجود حالة من الالتفاف الدولي مع قضية اللاجئين الفلسطينيين ومع القضية الفلسطينية.
وتقدم الوكالة حاليا خدماتها لنحو 5.3 مليون نسمة، يقيمون في فلسطين والأردن ولبنان وسوريا.
وتأسست وكالة أونروا في 8 ديسمبر/كانون الأول 1949، بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302، بهدف إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فيما بدأت عملياتها في الأول من شهر مايو/أيار عام 1950.