المؤرخ البارز عبد اللطيف الحناشي وصف الثورة التي تحل ذكراها السادسة هذه الأيام، بـ"ثورة القرن الـ21"
قال المؤرخ التونسي البارز عبد اللطيف الحناشي، إن التوافق القائم الآن في الحكم ببلاده، هو "جرأة" سيسجلها التاريخ وبه ستحقق ثورة يناير/كانون الثاني 2011 أهدافها.
الحناشي، الذي يعد من أبرز الأكاديميين الذين يواكبون التحولات السياسية في تونس منذ أكثر من 6 سنوات كتابة وتحليلا، وصف في مقابلة مع الأناضول، "ثورة الياسمين" التي تحل ذكراها السادسة هذه الأيام، بأنها "ثورة القرن الـ21".
*ثورة القرن الـ 21
وفي هذا الصدد قال الحناشي وهو أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة تونس: "إنها ثورة نوعية، وهي ثورة القرن الـ21 ، جاءت بأدوات هذا القرن، لم يكن وراءها حزب أو أحزاب وعندما تكون ثورة دون مرجعية فكرية ودون أحزاب تسندها ودون برنامج".
وتحدث عن شعارات تلك الثورة قائلا إنها كانت "تتعلق بمسألة الكرامة والشغل، بخلفيات اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، باعتبار أن الحرية هي مطلب سياسي، وهذه الشعارات لازالت مرفوعة ومستمرة ولكن قد تكون بأشكال أخرى".
وأضاف أن بعض الشعارات تحققت مثل الحرية "الواسعة جدا" التي تمتع بها المواطن التونسي ووسائل الإعلام وتشكيل الأحزاب والجمعيات والمنظمات.
وعن عدم تحقق بعض الشعارات الاقتصادية والاجتماعية مثل الحد من البطالة، قال الحناشي: "يجب التمييز بين مرحلة الثورة ومرحلة ما بعدها".
ووفق الحناشي، فإن مرحلة ما بعد الثورة هي عملية الانتقال الديمقراطي التي قادها أساسا النظام القديم (نظام ما قبل الثورة)- ما عدا فترة حكم الترويكا (ائتلاف من حركة النهضة الإسلامية وحزبين علمانيين ، هما: التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والمؤتمر من أجل الجمهورية، حكم بين ديسمبر 2011 ويناير 2014)- بوجود قوى أخرى أغلبها تبنت الأطروحات السابقة.
وأكمل: "والآن نجد أن رئيس الدولة (الباجي قايد السبسي) ورئيس الحكومة (يوسف الشاهد) ورئيس البرلمان (محمد الناصر) من النظام القديم فماذا تنتظر من الموجودين الآن؟".
ومحاولا الإجابة على تساؤله تابع المؤرخ التونسي: "هذه القوى الموجودة الآن في السلطة لا تطرح تغييرا عميقا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي بمعنى أن جزء منها يتبنى أطروحات صندوق النقد والبنك الدوليين وله توجه كامل ومتكامل مع المنظومة القديمة".
وعزا الحناشي عودة النظام القديم إلى أن الثورة "لم تكن لها قيادة حزبية ولا برنامج".
*التوافق المحمود
ورغم ذلك، لا يعتبر المؤرخ التونسي، التوافق الموجود الآن بين القديم والجديد أمرا سيئا ويقول: "أنا مع هذا التوافق الذي اعتبره مرحلي وضروري جدا لإنهاء مرحلة الانتقال الديمقراطي".
وأوضح الحناشي أن التوافق الحالي "ليس تحالفا ورئيس الجمهورية قال هذا، بل هو لقاء وتنسيق بمنسوب عال بين شخصيتين (في إشارة إلى السبسي والغنوشي زعيم حركة النهضة)، لأن الجانب الآخر حزب نداء تونس (حزب السبسي) لا أطلق عليه حزب بمفهوم الحزب الحديث هو جاء لغاية (لم يوضحها) وتحقق هذا الهدف، ونرى الآن ما حدث في هذا الحزب من انشقاقات".
والتوافق، بالنسبة للحناشي، لا يلغي الأخر مهما كان ونحن من المفروض الآن في "مرحلة لا إلغاء (للآخر)، يجب أن نعترف ببعضنا البعض ونتعامل بالحد الأدنى من أجل إنقاذ البلاد للوصول إلى 2019 ( موعد الانتخابات العامة) عند ذلك يمكن أن تعاد الكثير من الحسابات".
وما يدعو أيضا إلى تبني خيار التوافق بالنسبة للمؤرخ التونسي، هو هشاشة وضع الأحزاب "فالخريطة الحزبية غير مستقرة وتعيش نوعا من الحيرة في كيفية معالجة هذه الأمور".
*الشباب له حق الحلم ولكنه يتحمل مسؤولية تغييبه
وبخصوص الأفكار التي يرددها البعض من أن "ثورة الشباب استولى عليها الشيوخ" وأن "الشباب يعيش حالة من الإحباط أمام نتائج الثورة بعد 6 سنوات من حدوثها"، قال الحناشي: "مسألة دقيقة وحساسة قضية الشباب"، قبل أن يتساءل: من هم هؤلاء الشباب؟ هل لديهم خلفية فكرية؟ هل لديهم خلفية ثقافية عميقة؟.
ومجيبا على تساؤلاته قال: "المفروض أن يكون الشباب ثائرا، وكل الثورات قام بها شباب، ولكن شباب 2011 ليس مثل شباب ثورة الطلاب 1968 في فرنسا الذي كانت عنده خلفية فكرية وخلفية ثقافية، هذا الشباب هو شباب مرحلة العولمة ومرحلة الثورة التكنولوجية".
وعزا الحناشي الوضع الذي يعيشه الشباب التونسي إلى "ضعف تكوينه (تأهيله)، وغياب الخلفية الثقافية والفكرية لديه بما في ذلك الشباب الجامعي وشباب الأحزاب".
*النخب الجامعية والثورة
وحول دور النخب الجامعية في الدفاع عن شعارات الثورة ومبادئها و"الاتهامات" الموجهة للبعض منهم بمساندة النظام القديم، اعتبر الحناشي أن "هذه النخب لم تكن لديها القدرة على الانخراط الفعلي في هذه العملية (مساندة الثورة)".
فالجامعة تعيش، على حد قوله، "مشاكل عميقة وهمشت نفسها بنفسها نتيجة الاستبداد وللأسف النظام السابق) لعب على عملية الخوف وعملية الطمع لجزء من الجامعيين، ونجح في ذلك، ما عدا عدد محدود منهم".
وقال الحناشي: "كانت ردة فعل الجامعيين غير عقلانية، فما حدث في تونس (الثورة) لم تهضمه النخبة".
واعتبر الحناشي أن هذه النخب كانت "تعيش على أوهام وهي أوهام لا تزال مستمرة، بمعنى أن النخبة لا تعرف عمق المجتمع وفي جزء كبير منها لا تزال غير مصدقة إلى الآن هذه التحولات التي نعيشها، وهم الآن لا يفهمون لماذا السلفية موجودة في تونس، ولماذا 3 آلاف تونسي موجودون في بؤر التوتر ومن أشرس المقاتلين".
وأوضح المؤرخ التونسي: "يقولون لك (النخب الجامعية) هؤلاء (المتشددون) ليسوا منا، في حين أنه يوميا عندما تفتح الصحف التونسية ترى قضايا العنف الاجتماعي، يوميا نحن نعيش العنف في المدرسة والشارع وفي كل مكان، مجتمعنا عنيف جدا، وهو الذي أفرز هذا".
*التوافق الحالي جرأة سيسجلها التاريخ
وبالنسبة للحناشي، الحلّ لكل ما سبق يكون في التوافق "ولذلك أنا مع التوافق ولولاه لجرت فعلا دماء في الشوارع، وذلك للأسف عكس ما يقال أن التونسي مسالم، أنت ترى في الشارع مظاهر العنف حتى تجاه الملك العام والمشاجرات في الشارع وهذا العنف الاجتماعي تحول إلى عنف سياسي".
وفي شرح وجاهة التوافق وحكم حزبين مختلفين (نداء تونس والنهضة)، قال إنه في حال حكمت "أغلبية للنهضة مع حزبين آخرين، غير نداء تونس، لا يتركونها تحكم بأي طرق تتصورها ليس من الداخل فقط ولكن الخارج أيضا يتدخل، وفي المقابل لو حكمت المجموعات الأخرى (نداء تونس وحلفاء آخرون) ستجد صعوبة كبيرة للحكم سواء من معارضة النهضة أو جهات أخرى".
لذلك، يقول المؤرخ التونسي: "مازلت أؤمن ولا زلت بضرورة وجود توافق على الأقل مرحلي لإنهاء المرحلة الانتقالية، تركيز المؤسسات الدستورية، وجود وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي أفضل".
والرهان الكبير، وفق الحناشي، هو أن يتمّ تصالح بين التيارات الثلاثة الكبرى (الإسلاميين واليساريين والليبراليين) بمعنى الابتعاد عن العداوة لأنه يمكن أن تكون هناك خصومات ولكن لا يجب يكون هناك صراع غير الصراع الفكري والسياسي.
وتابع: "نحن الآن بحاجة إلى بناء توافق على مستوى أفقي وليس عمودي فقط، فالتوافق الموجود الآن بين قيادات ولكن القواعد غير متوافقة، وما قامت به الأحزاب (حكومة الوحدة الوطنية) هي جرأة سيسجلها لها التاريخ مثل جرأة الباجي قايد السبسي وراشد الغنوشي، عندما توافقا (صيف 2013)".
ويشدد الحناشي على أن "الجرأة الآن في اتخاذ قرارات ليتمدد التوافق بمعنى أن يكون قناعة راسخة في ذهنية السياسي سواء في القمة أو في القاعدة".
وحول كيفية أن التوافق بين القوى المختلفة وخاصة القديمة والجديدة يؤدي إلى تحقيق أهداف الثورة، قال الحناشي: "بطبيعة الحال، الثورة تتطلب وقتا ولا توجد ثورة في تاريخ الثورات حققت شعاراتها في وقت وجيز".
و"عندما نفكر بمنطق تاريخي لابد من 10 إلى 20 سنة على الأقل (لتحقيق أهداف الثورة)، حتى على مستوى سياسي لتستقر الأحزاب وترتكز لابد من وقت لنفس الشيء"، وفق الحناشي الذي تساءل: "كيف يمكن تحقيق شعارات الثورة الاجتماعية والاقتصادية وليبيا مفتوحة لأزمة تعيشها، في حين أن الرئة الأساسية لتونس اقتصاديا واجتماعيا هي ليبيا".
ويأسف الحناشي أنه أمام هذا الوضع "حتى الأطراف السياسية ليس لها خطاب طمأنة الناس".
ومع ذلك رأى المؤرخ التونسي أن المسالة تتطلب وقتا، وقال: "كلي أمل أننا سنحقق في تونس المجتمع الذي نحلم به والشعارات التي نسعى لتحقيقها".