ماذا وراء ضعف التمثيل العربي في القمة التنموية ببيروت؟ (تحليل)

ماذا وراء ضعف التمثيل العربي في القمة التنموية ببيروت؟ (تحليل)
22.1.2019 12:51

eposta yazdır zoom+ zoom-

التقت الأنظمة العربية طويلا على مشترك "القضية الفلسطينية"، ومنها انبثقت الكثير من المفردات التي شاعت طوال عقود، مثل العمل العربي المشترك، والتضامن العربي، وغيرهما.

وفي الواقع الراهن، لم تعد القضية الفلسطينية تحتل أولويات العمل العربي المشترك، بعد أن طغت عليها جزئيات الخلافات البينية بين دولة عربية وأخرى، أو بين مجموعة من الدول ودولة، أو مجموعة دول.

وتنظر الشعوب العربية إلى جامعة الدول العربية على أنها ليست أكثر من مؤسسة عربية "غير فاعلة"، تقوم على تنظيم اجتماعات اللجان الفرعية التابعة لها، أو الإعداد لاجتماعاتها على مستوى الوزراء أو القادة العرب، وتصدر عنها البيانات الإنشائية.

وما يقال عن جامعة الدول العربية التي أريد لها أن تكون وعاء جامعا للعمل العربي المشترك بين جميع الدول العربية، يمكن أن يقال عن مؤسسات وتكتلات ثانوية، مثل مجلس التعاون الخليجي الذي فقد الكثير من فاعليته منذ الأزمة القطرية في حزيران / يونيو 2017، والذي يمكن أن يبقى مجرد هيكل جامد لا دور له، بعد اتجاه السعودية لإنشاء تحالفات للتعاون الاستراتيجي الثنائي مع الإمارات وآخر مع الكويت.

كما أن الاتحاد المغاربي الذي يضم الدول العربية في شمال إفريقيا لا يزال معطلا، بل منذ سنوات طويلة لم يعقد أي مؤتمر بسبب الخلافات الثنائية بين المغرب والجزائر، رغم بعض الدعوات لإعادة الروح إليه خلال الأشهر القليلة الماضية.

في القمة "العربية التنموية الاجتماعية والاقتصادية" الثانية التي عقدت بالكويت في 19 كانون الثاني / يناير 2009، كانت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هي العنوان الأبرز لكلمات القادة العرب، حيث اختلط السياسي بالاقتصادي والتنموي.

شارك في قمة الكويت 17 من القادة العرب وممثلين عن خمس دول عربية بحضور أمين عام جامعة الدول العربية والأمين العام للأمم المتحدة.

وعلى الرغم من أنها قمة اقتصادية تنموية اجتماعية، إلا أن تطورات الأحداث في قطاع غزة دفع القائمين عليها لعقدها تحت شعار "قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة".

أكدت تلك القمة التزام الدول العربية بتوفير الموارد اللازمة بما يزيد على ملياري دولار لإعادة إعمار غزة، ونحو 500 مليون دولار لدعم موازنة السلطة الفلسطينية، لتمكينها من مواجهة الاحتياجات الطارئة جراء الحرب الإسرائيلية على غزة.

وإذا كانت قمة عام 2009 قد عقدت في أجواء الحرب الإسرائيلية على غزة التي حظيت باهتمام قادة العرب آنذاك، فإن دولا عربية عدة تعيش هذه السنين صراعات داخلية، وتواجه تحديات وجودية تستوجب المزيد من العمل العربي المشترك، للخروج من دائرة الصراعات والالتفات إلى التنمية الاقتصادية.

لكن لا تبدو الأجواء السياسية والعلاقات بين الدول العربية في ظرف مواتٍ لتدارك ما يمكن تداركه من استفحال للصراعات الداخلية وتعميق للانقسامات والخلافات بين معظم هذه الدول، التي باتت منقسمة إلى محاور عدة أضرت كثيرا بالتضامن العربي والعمل العربي المشترك.

ظلت الدول العربية تعاني انعكاسات الخلافات السياسية بينها على العمل الاقتصادي العربي المشترك، كان من المفترض أن يكون بعيدا عن أي خلافات سياسية.

وهكذا انعقدت قمة بيروت في وقت تواجه الدول العربية العديد من التحديات الخارجية والخلافات والانقسامات الداخلية.

يمكن القول إن من بين أهم الأسباب في عزوف معظم قادة الدول العربية عن حضور قمة بيروت، الخلافات الداخلية اللبنانية والانقسامات بين القوى السياسية إلى تيارين، أحدهما حليف للمحور العربي تمثله قوى 14 آذار بقيادة رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، والآخر حليف للمحور الإيراني تمثله قوى 8 آذار بقيادة حزب الله اللبناني، ويضم تيار رئيس الجمهورية ميشيل عون.

وتشهد المنطقة العربية صراعا بين المحورين العربي الذي تقوده السعودية وترعاه الولايات المتحدة، والمحور الإيراني الذي تقوده إيران ويضم القوى الحليفة لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وتراجع مستوى التمثيل في القمة التنموية الرابعة إلى أدنى مستوياته، إذ لم يحضر من القادة العرب سوى أمير دولة قطر والرئيس الموريتاني، بجانب رئيس البلد المضيف ميشال عون.

وأعلن عن مشاركة أمير دولة قطر في أعمال القمة قبيل ساعات فقط من افتتاح جلساتها في بيروت في 20 كانون الثاني / يناير 2019.

في كانون الأول / ديسمبر 2018، رفض أمير دولة قطر تلبية الدعوة لحضور القمة العربية في الرياض منيبا عنه وزير الدولة للشؤون الخارجية.

وعلى الرغم من أن دولة قطر من بين أهم الدول الداعمة للمعارضة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد الحليف لحزب الله اللبناني، إلا أن قيادات سياسية قريبة من هذا الحزب رحبت بمشاركة أمير دولة قطر في مؤتمر القمة التنموية ببيروت.

ومن المقرر أن تستثمر دولة قطر ما يصل إلى 500 مليون دولار في السندات الحكومية لدعم الاقتصاد اللبناني الذي يعاني نسبة ديون خارجية مرتفعة، جعلته في ثالث أعلى ديون عامة في العالم مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.

وفي تغريدة له على موقع "تويتر"، عبر أمير دولة قطر عن سعادته بالمشاركة في القمة العربية التنموية بما يخدم العمل العربي المشترك في مواجهة الأزمات والتحديات التي تواجهها الدول العربية.

وتعهدت دولة قطر بتقديم مبلغ 50 مليون دولار دعما لمبادرة أمير دولة الكويت لإنشاء صندوق للاستثمار في مجال التكنولوجيا والاقتصاد برأس مال قيمته 200 مليون دولار أمريكي بمشاركة القطاع الخاص، على أن تساهم الكويت بمبلغ 50 مليون دولار من هذا الصندوق.

تركزت الخلافات بين الدول العربية أثناء التحضير لعقد القمة العربية التنموية حول ملف سوريا وحليفتها إيران، التي هي في ذات الوقت الحليف الأوثق لحزب الله اللبناني صاحب النفوذ الأكبر في الدولة اللبنانية.

وبحكم سيطرة حزب الله على مطار بيروت الدولي، فقد منعت سلطات المطار وفدا من رجال الأعمال الليبيين من دخول لبنان لحضور مؤتمر القمة العربية التنموية.

هشاشة الدولة اللبنانية وسيطرة حزب الله على الملف الأمني في العاصمة، وعلى سلطة المطار، وعدم قدرتها على توفير المناخ الآمن لالتزامات الدول المستضيفة لمثل هذه المؤتمرات، وضع القادة العرب أمام خيار عدم الحضور تجنبا لإشكالات جانبية متوقعة على غرار ما حدث للوفد الليبي.

ويتحدث خبراء عن أن غياب قادة الدول العربية، باستثناء دولتين، يعد بمثابة ضربة إلى لبنان الدولة الخاضعة لنفوذ حزب الله الحليف لإيران.

التدني في مستوى التمثيل العربي للقادة في القمة العربية التنموية ببيروت قد لا يتكرر في القمة العربية العادية المنتظرة في آذار / مارس المقبل بالعاصمة التونسية، لأسباب تتعلق بتفوق أهمية القمة العادية على ما سواها من القمم، وطبيعة الانقسامات الداخلية في لبنان وارتهان تياراتها السياسية لسياسات دول أخرى إقليمية وعربية متصارعة، إلى جانب ما يميز تونس عن لبنان في ما يتعلق بسيادة الدولة، وغياب القوى المتنفذة في القرار الأمني والسياسي، كما في الحالة اللبنانية.

 

أخبالا المحلي

برامج الجوال

iPhone iPad Android Windows Phone
Milli Gazete ©  لا يمكن النقل أو النسخ من دون ذكر المصدرو جميع الحقوق محفوظة +90 212 697 1000 :رقم و فاكس