عندما اعتقلت السلطات الإسرائيلية الفلسطيني محمود دعاجنة (69 عاماً) عام 1993، كان لديه من الأحفاد ثلاثة فقط، وحينما عاد لأسرته، بعد غياب في السجون استمر 21 عاماً متواصلة، وجد أن أعداد أحفاده ارتفع إلى 60.
وخلال الـ 21 عاماً، كبر الأولاد والبنات، وتزوجوا، ونشأ جيلٌ جديدٌ من الأحفاد لم يعرف كثيرٌ منهم جدّهم، إلا في الصور المعلقة على الجدران وحكايات الجدّة.
هذه المفارقة، تلخص حال كثيرين من المعتقلين الفلسطينيين، وخاصة ممن يطلق عليهم لقب "قدامى الأسرى"، الذين سجنوا قبل اتفاقية أوسلو للسلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، وصدرت بحقّهم أحكام عالية.
دعاجنة كان واحداً من هؤلاء، إلى أن أفرج عنه في 31 ديسمبر/كانون أول 2013، وذلك ضمن الدفعة الثالثة من قدامى الأسرى، الذين أفرجت عنهم إسرائيل، كبادرة حسن نيّة تجاه السلطة الفلسطينية قبيل العودة إلى المفاوضات.
شيخ الأسرى المقدسيين
أصدرت سلطات الاحتلال بحق دعاجنة حكماً بالسجن المؤبد (يعادل 99 عاماً في عرف الأحكام الإسرائيلية)، إضافة إلى 10 أعوام، أي مجموع ما حكم به هو 109 أعوام.
وقد لقب دعاجنة خلال فترة أسره بـ"عميد الأسرى المقدسيين"، أو يناديه البعض بـ"شيخ الأسرى المقدسيين"، فقد كان خلال فترة اعتقاله أكبر الأسرى المقدسيين سناً، وهو مولود في العام 1948.
وعند سؤاله عن "قدامى الأسرى"، يستذكر دعاجنة بشكل خاصّ ماهر وكريم يونس، واللذيْن دخلا عامهما الخامس والثلاثين في الأسر، ويعتبران اليوم أقدم أسيرين في السجون الإسرائيلية.
ويعلّق دعاجنة على ذلك بقوله "هذا لم يحدث في العالم كلّه، لا يوجد شخص في العالم مكث في السجون هذه المدة كما مكث أسرانا".
الأسرى المرضى
ويلفت دعاجنة في حديثه للأناضول، النظر إلى الوضع الخاص الذي يعيشه المعتقلون المرضى، متهماً مصلحة السجون الإسرائيلية بتعمد الإهمال الطبي.
ويقول إنه كان شاهدا عليه، إذ توفي داخل الأسر، زميله الأسير المريض جمعة الكيالي، نتيجة ضعف العلاج الطبي المقدم له.
ويقول دعاجنة "يعاملوننا كما يعاملون فئران التجارب، يجرّبون على أجسادنا المريضة الأدوية الجديدة، أو يعطونا أدوية مسكنة لا غير".
وعندما مرض دعاجنة داخل السجن، واحتاج عملية جراحية لإزالة حصوات في الكلى، اضطر للانتظار ما يقارب عام ونصف العام، حتى جاءت الموافقة الكاملة على نقله إلى المستشفى وإجراء العملية له.
يقول عن تلك الفترة: "كنا نأكل أنفسنا وجعاً، ولكن ليس أمامنا إلا الصّبر".
وعلى سرير أحد المشافي الإسرائيلية كان يقف حوله 3 جنود، مع إبقاء قدميه ومعصميه مكبلة بزوايا السرير، حتى أنهم أرادوا إبقاء هذه القيود أثناء إجراء العملية الجراحية، ولم يفكوها لولا إصرار الطبيب الذي أجرى العملية.
توثيق تجارب المعتقلين
وفي السّجن كان دعاجنة يقضي وقته مسؤولاً عن إحدى اللجان المسؤولة عن تثقيف الأسرى في السجون.
ويقول عن تلك المهمة "كنا ننظم مختلف الدورات للأسرى، وبالأخص دورات اللغات العبرية، الإنجليزية، الفرنسية، بالإضافة إلى صفوف محو الأميّة".
كما أن دعاجنة انتظم في صفوف التعليم وأكمل دراسته داخل السجن، وتقدم لامتحانات الثانوية العامة بنجاح.
كما انشغل خلال فترة سجنه بتوثيق التجارب التي تمرّ به، وبإخوانه المعتقلين خلال هذه الفترة الطويلة من الزمن، وبخاصة الإضرابات الجماعية عن الطعام.
وقد أصدر ذلك التوثيق في كتاب بعنوان: "أحياءٌ في غياهب السجون".
ويُعبر دعاجنة عن شغفه في تدوين تلك التجارب والأحداث بالقول "في أكثر من مرة كنت أذهب للنوم، ومن ثم أذكر أمراً ما نسيت كتابته، فأصحو مجددا، أدوّنه ومن ثم أعود للنوم".
لقاء الحفيدين وراء القضبان
وخلال الأعوام الأخيرة له في السجن، حظي دعاجنة بلقاء حفيدين من أحفاده لأول مرة، وهما المعتقلين السابقيْن الشقيقيْن أيمن ومحمود دعاجنة (23 و25 عاماً).
وكان محمود وأيمن يقضيان حكمهما بتهمة إلقاء الحجارة في سجن منفصل عن جدهما، إلا أنه طالب إدارة السجون عدة مرات حتى تجمع ثلاثتهم في سجن واحد.
يخبرنا دعاجنة الجدّ، بأنه كان يعرف ملامح محمود بعض الشيء، ولكنه لم يكن قد قابل أيمن مسبقاً، وأن أيمن لم يكن يعرفه إلا عبر الصّور.
ومما يعكس روح الدعابة لدى المعتقلين، حتى في أحلك الظروف، يروي لنا دعاجنة أن زملاءه في الأسر اختبروا أيمن فور دخوله قسمهم، وقدّموا له أحد الأسرى من كبار السّن على أنه جدّه محمود، ولكنها خدعة لم تنطوِ عليه، فقال لهم: "هذا ليس جدي".
ويقول دعاجنة أن "الدلال" (الملاطفة) الذي حُرِم من تقديمه لأحفاده وهم أطفال، حاول تعويضه لهم داخل السجن قائلاً "كنت أطعمهم بيدي في كثير من الأحيان ونحن داخل السجن".
ولكنه في ذات الوقت يتألم لفراق أمّه، التي كان يواظب على مراسلتها طوال هذه الأعوام، ولكنها ماتت قبيل الإفراج عنه بستة أشهر.
يختم دعاجنة حديثه بالإشارة إلى قضية الإضراب عن الطعام داخل السجون.
ويقول بهذا الخصوص "أي إضراب حتى ينجح يجب أن يقترن بحملة مساندة ودعم من الفلسطينيين خارج السجون، من خلال المظاهرات وخيم الاعتصام، وإلا لن يكتب للإضراب النجاح".
ويشدد دعاجنة على أهمية هذه المساندة خاصّة أن المعتقلين يتعرضون للعقاب والقمع خلال فترة إضرابهم في محاولة لثنيهم عنه.
وبدأ، أمس الإثنين، مئات المعتقلين الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية، إضراباً مفتوحاً عن الطعام، مطالبين بتحسين ظروف حياتهم، وذلك بالتزامن مع إحياء يوم الأسير الفلسطيني الذي يوافق السابع عشر من إبريل/نيسان من كل عام.
وبدأ الفلسطينيون بإحياء "يوم الأسير" منذ 17 أبريل/ نيسان عام 1974، وهو اليوم الذي أطلقت فيه إسرائيل سراح أول معتقل فلسطيني، وهو محمود بكر حجازي، خلال أول عملية لتبادل "الأسرى" بين الفلسطينيين وإسرائيل.
يشار إلى أن إسرائيل، تعتقل 481 فلسطينياً من سكان مدينة القدس الشرقية.
وقالت لجنة "أهالي الأسرى المقدسيين"، في دراسة أصدرتها بمناسبة "يوم الأسير الفلسطيني"، حصلت الأناضول على نسخة منها، إن من بين المعتقلين 17 مقدسية منهن 7 متزوجات، وقاصرتيْن.
كما أشارت إلى أن من بين المعتقلين 74 طفلا.
وكانت الشرطة الإسرائيلية قد نفذت في العاميْن الماضيين، حملة اعتقالات واسعة في مدينة القدس، إثر المواجهات التي تلت تصاعد الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى.
ولفتت الدراسة إلى أن 42 معتقلا مقدسيا، محكومون بالسجن مدى الحياة، و14 معتقلا مضى على اعتقالهم أكثر من 20 عاما، فيما بيّنت أن 10 مقدسيين يقبعون قيد الاعتقال الإداري (دون محاكمة) لفترات متفاوتة.
وقالت لجنة أهالي الأسرى المقدسيين، إن بين المعتقلين نائبيْن من المجلس التشريعي الفلسطيني من حركة "حماس"، هما الشيخ محمد أبو طير وأحمد عطّون.
وأشارت بهذا الصدد، أن أكبر معتقل مقدسي سنا، هو النائب أبو طير، 66 عاما، الذي أمضى من عمره 34 عاما في السجون الإسرائيلية.
أما أصغر المعتقلين المقدسيين سنا، فهو الطفل محمد حوشية، المولود في العام 2004، وأصغر معتقلة مقدسية هي منار شويكي، 16 عاما، والمحكومة بالسجن 6 سنوات.
ولفتت الدراسة إلى إن صاحب أعلى حكم بالسجن، في القدس هو وائل قاسم، 46 عاما من بلدة سلوان، المحكوم بالسجن 35 مؤبدا إضافة إلى 50 عاما، فيما أن صاحبة أعلى حكم، هي شروق دويات، 20 عاما والمحكومة بالسجن 16 عاما.