بنظرة بانورامية شاملة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب بدورته الـ48 المقامة حالياً، تقع عيناك على عدة مشاهد مصغرة تعكس الحالة المصرية الراهنة بأوجهها المختلفة، وعلاقاتها المتشبكة داخلياً وخارجياً.
فعلى بعد خطوات من البوابة الرئيسية للمعرض، الذي انطلق في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، ويستمر حتى 10 فبراير/ شباط الجاري (الجمعة)، وإلى جهة اليمين ينتصب مبني ضخم نقش عليه شعار المهرجان "الشباب وثقافة المستقبل".
وبعد التفتيش ودخول المبنى، وبمجرد أن تلتفت جهة اليمين تلحظ جناحاً فخماً يحتل جزءً كبيراً من المكان وقد نقش عليه شعار وزارة الدفاع المصرية ويليه جناح لا يقل فخامة نقش عليه شعار وزارة الداخلية.
ذلك المشهد، يُرى في خلفياته إعلان مصر الرسمية أن العام 2016 المنقضي هو عام الشباب والعمل من أجلهم والنهوض بهم، بصرف النظر عما تحقق وما لم يتحقق من الوعود.
كما يعكس نفس المشهد أيضاً الحالة الأمنية، التي تعيشها البلاد، والهجمات المسلحة التي تستهدف الجيش والشرطة، والإعلان رسمياً عن خوض حرب ضد "الإرهاب" لا سيما في سيناء (شمال شرق)، ودور وزارتي الدفاع والداخلية في الأمر.
واستمراراً للمشهد السابق وفي نفس المبنى الضخم، تتوالي أجنحة أصغر متماثلة الحجم للكثير من دول العالم، لكن أغلبها عربية، أبرزها جناح الإمارات، التي تربطها علاقات طيبة بمصر، وهو الجناح الذي يبدو أكبر قليلاً من غيره، ثم جناح الشارقة (إماراتي) الذي استقل محتلاً مساحة خاصة تفوق حجم كل الأجنحة السابقة باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية.
وبعد المرور علي المبني الضخم، الذي ينتصب كممثل لخريطة التواجد الرسمي علي الساحة المصرية، وعلي بعد خطوات قليلة يزدحم الجمهور علي أجنحة دور النشر أحياناً، والمطاعم والمسرح المكشوف الذي يقدم عروضه بشكل متواصل، أحياناً أخرى.
"حديقة عامة ووجوه مختلفة ويوم كامل من الترفيه المجاني مقابل جنيه مصري واحد (الدولار يساوي 19 جنيهاً)" .. هذا هو ملخص تصور معرض القاهرة الدولي للكتاب عند أحد المرتادين، الذي اصطحب أسرته المكونة من زوجة وثلاثة أطفال وبضعة حقائب تحوي طعام اليوم، متحدثاً للأناضول، مفضلاَ عدم ذكر اسمه.
وعلى المستوى الاجتماعي والترفيهي أيضاً لم يغفل المعرض المقام بمنطقة "أرض المعارض"، شرقي القاهرة، الاهتمام بالطفل الذي خصص له ركناً يشمل أنشطة ترفيهية وتعليمية إضافة للكتب المتخصصة.
كما تنظم دار الأوبرا المصرية 4 حفلات غنائية لرواد المعرض تم توزيعها على الفترة التي يقام بها، في إطال الفعاليات الترفيهية.
وبينما تزدحم دور النشر الشهيرة برواد، أغلبهم يكتفي بالمشاهدة، والأقلية تشتري نظراً لارتفاع الأسعار، والذي يؤكد الناشرون أنه بسبب ارتفاع أسعار الورق والأحبار، فإن فعاليات المهرجان من ندوات شعرية ونقدية وموائد مستديرة تسير طبقاً للمخطط ولكن بجمهور قليل نسبياً.
ولجأت بعض دور النشر لطرق جديدة للفت الأنظار إليها حيث تمت الاستعانة بمطربين وعازفين مبتدئين ليتجمع الجمهور حولهم، ومن ثم يلتفت إلي الكتب، أملاً في الشراء الذي تعد معاناته جزءً من المعاناة الاقتصادية للمصريين الذين تعرف بلادهم مشكلات اقتصادية وارتفاع في نسبة التضخم انعكست بشكل كبير على المعرض وعملية الشراء.
ورغم التخفيضات المعلنة مراراً وتكراراً، من قبل دور النشر، فان بعض القراء الذين اعتادوا علي شراء الكتب طوال العام يكشفون "خدعة التخفيضات"، على حد قولهم.
أحد القراء يقول، للأناضول، مفضلاً عدم نشر اسمه،: "سعر الكتاب قبل المعرض 100 جنيه مصري (نحو 5 دولارات) ويتم رفعه إلى 120 جنيهًا في المعرض ثم يعلن عن تخفيض قدره 20%، فهل هذا تخفيض؟".
الحالة الكروية، التي عاشتها مصر مؤخرًا في ظل مشاركة منتخب البلاد في بطولة الأمم الإفريقية لكرة القدم بالغابون، كانت حاضرة بقوة في المرض.
فاستضاف حسن شحاتة، المدير الفني الأسبق للمنتخب المصري الكروي، وزكريا ناصف، اللاعب المعتزل بفريق الأهلي المصري، في إحدى الندوات للحديث عن المنتخب والمشاركة الإفريقية، التي انتهت بالمركز الثاني بعد خسارة النهائي أمام الكاميرون بهدف مقابل هدفين.
وبعيداً عن دراما الأسعار والترفيه والرياضة، ثمة أخرى يختلط فيها السياسي بالثقافي والديني بالاجتماعي، حيث يندر أن يري رواد المعرض هذا العام الكثير من الأشخاص الذين كانوا يرتدون ملابس قصيرة ويطلقون لحاهم (السلفيون)، الذين كانوا يتواجدون بشكل كبير وملحوظ بالمعرض في السنوات السابقة.
فرغم وجود دور عرض تركز على كتب يهتم بها التيار السلفي بمصر بأسعار مخفضة "أقل من 20 جنيها" وتعد من أمهات الكتب الدينية، فإن التظاهرة السنوية لهؤلاء (السلفيين) لم تعد كما كانت عليه في السنوات السابقة، حيث تضاءل حضورهم هذا العام بشكل ملحوظ.
المشهد الأخير يعكس الوضع الحالي للسلفيين في مصر، والذين تصل نسبتهم في البرلمان الحالي عبر حزب "النور" إلى حوالي 2% بواقع 12 نائباً، من 596 إجمالي نواب البرلمان، بعكس الحال في البرلمان السابق حيث كانت نسبتهم فيه نحو 20%، وذلك إبان حكم محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب، والذين شاركوا الجيش في اجتماع الإطاحة به في 2013.
وفي إطار المشهد الديني الثقافي، أغلقت الهيئة المصرية العامة للكتاب (حكومية وتدير المعرض)، جناحي "دار القدس"، و"دار آل ياسر" بعد أن حررت شرطة المصنفات بلاغاً ضدهما لبيعهما كتباً لنشر الفكر الشيعي بالبلاد، بحسب ما أعلن رسمياً.
ويحظي جناح المملكة العربية السعودية بإقبال كبير، لكنه لا يقارن بالسنوات الماضية، ويعرض فيه - بالإضافة للإصدارات السعودية وإبداعات الشعراء والروائيين والكتاب والأكاديميين- بعض ملامح الثقافة الشعبية وبينها الأزياء التقليدية والمشغولات اليدوية.
ويستقبل المعرض مجموعة من الشعراء السعوديين لتوقيع أعمالهم بينهم الشاعر صالح السويد الذي وقع ديوان "ثرثرات بمذاق القهوة".
وعكس الدورات السابقة، لا وجود لكتب أعلام الإخوان ومؤلفيهم، وكان وزير الثقافة المصري حلمي النمنم قد قطع الطريق على أي وجود رسمي لهذه المؤلفات قائًلا، "الإخوان كجماعة مصنفة إرهابية، وبالتالي فإن كتبهم لن تكون متداولة بالمعرض".
ورغم عدم المشاركة الرسمية لإسرائيل في هذا المعرض، إلا أن لها حضوراً على رفوف المكتبات.
ومن ضمن الكتب المعروضة، تاريخية وتحقيقات عن زعماء إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي، إضافة الى تراجم قليلة معظمها للكاتب والمترجم "عمر زكريا خليل" الذي طرح هذا العام الطبعة الأولى لترجمة "معبر مندلباوم" للكاتبة داليا كوهين قنوهل، والطبعة الثانية لكتاب "بين القاهرة والقدس" للسفير الإسرائيلي الأسبق دافيد سلطان.
وتواجدت في المعرض ترجمة كتاب "اليهود العرب: قراءة ما بعد كولونيالية في القومية والديانة والإثنية" لمؤلفه يهودا شنهاف.
وأغلب المؤلفات تتعلق بشؤون سياسية وعسكرية فيما تغلب على كتب "خليل" الثقافة الإسرائيلية وطريقة تفكيرهم بدون وكلاء يشرحون له الواقع من منظورهم.
الحضور الإسرائيلي لم يثر أي جدل حتى اليوم، بعكس ما كان يحدث في بعض السنوات السابقة، وهو ربما يأت هذا العام على غير بعيد عن الهوى الرسمي حيث تشهد العلاقات المصرية الإسرائيلية حالياً تقارباً في بعض الملفات.
وتشارك في المعرض 35 دولة منها 16 عربية، 6 إفريقية، 13 غربية، و670 ناشراً منهم 6 أفارقة، 13غربياً، 200 عربى، 451 مصرياً منهم 7 مؤسسات صحفية، 31 مؤسسة حكومية، و119 كشكاً (مكان صغير لعرض الكتب) بسور الأزبكية الشهير.