يطغى اسم مدينة منبج في ريف حلب الشرقي شمالي سوريا على الساحات السورية والإقليمة والدولية، منذ أصبحت نقطة صراع بين فصائل "الجيش السوري الحر" المعارض، المنضوية تحت قوات "درع الفرات" من جهة، وقوات النظام السوري ومنظمة "ب ي د"، الجناح السوري لمنظمة "ب ك ك" الانفصالية الإرهابية، من جهة ثانية.
ويعمل كل من النظام السوري و"ب ي د" على منع تقدم فصائل "درع الفرات" باتجاه منبج، بعد أن سيطرت الفصائل المعارضة على مدينة الباب شرقي حلب، بدعم من القوات المسلحة التركية، عقب معارك ضارية وطويلة مع تنظيم "داعش" الإرهابي.
فيما تسعى فصائل "درع الفرات" إلى السيطرة على منبج، باعتبارها بوابة الوصول إلى مدينة الرقة شرقي سوريا، التي يتخذها "داعش" عاصمة له منذ عام 2014، حيث تسعى قوات "درع الفرات" إلى تحرير الرقة من "داعش".
وقبل أيام، أعلن ما يسمى "المجلس العسكري لمنبج وريفها"، التابع لمنظمة "ب ي د" الإرهابية، عن تسليم خط التماس مع فصائل "درع الفرات" غربي منبج إلى قوات النظام السوري. وهو ما أكدته روسيا، الدعم العسكري والسياسي الرئيس للنظام السوري.
** إدارة محلية ناجحة
منبج تقع في الشمال السوري، وتبعد عن مدينة حلب 90 كم تجاه الشمال الشرقي، بينما تبعد عن الحدود التركية 35 كم، ويفصلها عن نهر الفرات 40 كم من جهة الغرب.
وتبلغ مساحة المدينة حوالي 100 كيلو متر مربع، أما عدد سكانها، ووفق إحصاء 2014، فيبلغ قرابة 600 ألف نسمة، معظمهم من العرب بنسبة تتجاوز 90%، إضافة إلى مكونات أخرى، مثل الكرد والتركمان والشركس، وقد تعايشوا مع بعضهم البعض على مر التاريخ بسلام.
وعايشت منبج، وهي ثاني أكبر مدن محافظة حلب، مختلف التقلبات التي شهدتها سوريا منذ اندلاع الاحتجاجات في مارس/ آذار 2011، حيث شاركت في الحراك الشعبي ضد نظام بشار الأسد.
وسيطرت قوات المعارضة السورية على المدينة، في 17 يوليو/ تموز 2012، وتمت إدارتها من قبل سكانها عبر مجلس محلي، فشكلت نموذجا ناجحا للمناطق التي أدارتها المعارضة السورية.
واستمر الوضع حتى مارس/ آذار 2013، حيث بدأ تنظيم "داعش الإرهابي" في غزو المنطقة فكريا، إلى أن أتم سيطرته عليها بالسلاح، في يناير/ كانون ثان من العام التالي، لتمثل أول نقطة لتغيير وجه المدينة والمنطقة، التي ضمت آلاف الأسر النازحة من قصف النظام السوري لمختلف المناطق السورية.
** عملية "ب ي د"
بعد أكثر من عام من سيطرة "داعش" أطلقت ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية" عملية باتجاه منبج، في 31 مايو/ أيار 2015، بدعم جوي وبري ضخم من التحالف الدولي ضد "داعش"، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وهدفت منظمة "ب ي د" الإرهابية من هذه العملية إلى ربط طرفي نهر الفرات الغربي والشرقي وبسط نفوذه عليهما، وبالتالي السيطرة على مسافة تمتد على طول الحدود السورية- التركية، من محافظة الحسكة (شمالي سوريا) شرقا إلى منبج غربا، ومن ثم التقدم في ريف حلب الشمالي حتى مدينة عفرين.
وبالفعل، تمكنت هذه القوات، بقيادة "ب ي د"، من إحكام السيطرة على منبج، في أغسطس/ آب الماضي، غير أن عملية "درع الفرات"، التي انطلقت في الشهر ذاته وطهرت مساحات واسعة في ريفي حلب الشمالي والشرقي بهدف تأمين الحدود السورية مع تركيا، شكلت سدا أمام مخطط المنظمة الإرهابية، وحالت دون أن تواصل تقدمها باتجاه عفرين.
و"تسببت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على منبج في حركة نزوح كبيرة لأهالي المنتمين إلى الجيش السوري الحر"، وفق ما صرح به للأناضول النقيب المهندس سعد الدين أبو الحزم، قائد اللواء الأول التابع لــ"فيلق الشام"، أحد أبرز فصائل "درع الفرات".
أبو الحزم أوضح أن "أهالي منبج الذين هُجِّروا منذ ثلاث سنوات ونصف، إثر سيطرة داعش على المدينة، متوزعين حاليا بين مدينة إعزاز وريفها وجرابلس، وينتظرون لحظة تحريرها من ميليشيات ب ي د من أجل العودة إلى مدينتهم".
** وعود أمريكية دون تنفيذ
ورغم الوعود التي حصلت عليها تركيا من الولايات المتحدة الأمريكية بخروج مقاتلي منظمة "ب ي د" من منبج بعد طرد "داعش" من المدينة، إلا أن تلك الوعود لم تنفذ، ولا يزال الآلاف من مقاتلي المنظمة ينتشرون في منبج وريفها أمام أعين القوات الأمريكية، التي زادت مؤخراً من وجودها، وتمركزت في بعض نقاط التماس مع فصائل "الجيش السوري الحر"، لتنضم بذلك على ما يبدو إلى الجهات التي تعمل على منع تقدم "درع الفرات" باتجاه المدينة.
ومنذ احتلالها منبج مارست قوات منظمة "ب ي د" الإرهابية مختلف الأعمال، لترسيخ وجودها في المدينة، ومنها إدعائها تسليم إدارة منبج إلى العرب، بينما المنظمة هي المسيطرة فعليا على المدينة.
كما عمدت المنظمة إلى رفع العلم الأمريكي في بعض مناطق منبج، للإيحاء بوجود قوات أمريكية في المدينة، والاحتماء بها ضد أي هجوم محتمل.
كذلك أصدرت المنظمة بطاقات هوية ممهورة بختمها، ومنحتها لسكان منبج، في خطوة نحو شرعنة وجودها في المدينة، التي تسيطر عليها بقوة السلاح.
** الطريق إلى معقل "داعش"
ووفق قياديين في "الجيش السوري الحر" من أبناء منبج، فإن للمدينة أهمية في المعركة القادمة باتجاه معقل "داعش" الرئيس في الرقة.
وقال العقيد هيثم العفسي، قائد الفرفة ٥١، أحد تشكيلات "الجيش الحر" المشارك في "درع الفرات"، للأناضول، إن "دخول الرقة يكون من أحد محورين، إما من تل أبيض أو من منبج حصرا، فهناك طريق ثالث من دير حافر لكنه تحت سيطرة داعش، وسيضطرنا إلى المرور في مناطق يسيطر عليها النظام السوري".
في حين قال النقيب أبو الحزم للأناضول إن "منبج ترتبط مع الرقة بحدود طويلة، حيث تمتد من مسكنة (شمال شرق) وريفها إلى مدينة الطبقة، وهي بوابة الوصول إلى الرقة، فضلا عن امتداد غاية في الأهمية، وهو الامتداد السكاني العشائري بين منبج والرقة".
وعقب تحرير مدينة الباب السورية على أيدي قوات "درع الفرات"، سارع كل من النظام السوري ومنظمة "ب ي د" الإرهابية إلى إغلاق الطريق باتجاه مدينة الرقة، وظهر التعاون الوثيق بين الطرفين، حيث أعلن ما يسمى "المجلس العسكري لمنبج وريفها"، الخاضع لمنظمة "ب ي د"، في 2 مارس/ آذار الجاري، الاتفاق مع الجانب الروسي، وتسليم القرى الواقعة على خط التماس مع قوات "درع الفرات"، إلى قوات النظام السوري؛ بحجة "حماية المدنيين".